الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
ولا يصلى على أطفال المشركين لأن لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه مثل أن يسلم أحد أبويه, أو يموت أو يسبى منفردا من أبويه أو من أحدهما, فإنه يصلى عليه قال أبو ثور من سبي مع أحد أبويه لا يصلى عليه حتى يختار الإسلام ولنا, أنه محكوم له بالإسلام أشبه ما لو سبي منفردا منهما. ويصلى على سائر المسلمين من أهل الكبائر والمرجوم في الزنا, وغيرهم قال أحمد: من استقبل قبلتنا وصلى بصلاتنا نصلي عليه وندفنه ويصلى على ولد الزنا, والزانية والذي يقاد منه بالقصاص أو يقتل في حد وسئل عمن لا يعطى زكاة ماله, فقال: يصلى عليه ما يعلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترك الصلاة على أحد إلا على قاتل نفسه والغال وهذا قول عطاء, والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي, إلا أن أبا حنيفة قال: لا يصلى على البغاة ولا المحاربين لأنهم باينوا أهل الإسلام, وأشبهوا أهل دار الحرب وقال مالك: لا يصلى على من قتل في حد لأن أبا برزة الأسلمي قال: لم يصل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه) رواه أبو داود ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (صلوا على من قال لا إله إلا الله) رواه الخلال بإسناده, وروى الخلال بإسناده عن أبي شميلة (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار, يحملون جنازة على باب فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ما هذا؟ قالوا: مملوك لآل فلان قال: أكان يشهد أن لا إله إلا الله؟ قالوا: نعم ولكنه كان وكان فقال: أكان يصلي؟ قالوا: قد كان يصلي ويدع فقال لهم: ارجعوا به, فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه, وادفنوه والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه) وأما أهل الحرب فلا يصلى عليهم لأنهم كفار ولا يقبل فيهم شفاعة, ولا يستجاب فيهم دعاء وقد نهينا عن الاستغفار لهم وقال الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : [قال: وإذا حضرت جنازة رجل وامرأة وصبي جعل الرجل مما يلي الإمام, والمرأة خلفه والصبي خلفهما] لا خلاف في المذهب أنه إذا اجتمع مع الرجال غيرهم أنه يجعل الرجال مما يلي الإمام, وهو مذهب أكثر أهل العلم فإن كان معهم نساء وصبيان فنقل الخرقي ها هنا, أن المرأة تقدم مما يلي الرجل ثم يجعل الصبي خلفهما مما يلي القبلة لأن المرأة شخص مكلف فهي أحوج إلى الشفاعة, ولأنه قد روي عن عمار مولى الحارث بن نوفل أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها فجعل الغلام مما يلي القبلة, فأنكرت ذلك وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري, وأبو قتادة وأبو هريرة فقالوا: هذه السنة والمنصوص عن أحمد, في رواية جماعة من أصحابه أن الرجال مما يلي الإمام والصبيان أمامهم, والنساء يلين القبلة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لأنهم يقدمون عليهن في الصف في الصلاة المكتوبة فكذلك يقدمون عليهن مما يلي الإمام عند اجتماع الجنائز, كالرجال وأما حديث عمار فالصحيح فيه أنه جعلها مما يلي القبلة وجعل ابنها مما يليه كذلك رواه سعيد, وعمار مولى بني سليم عن عمار مولى بني هاشم وأخرجه كذلك أبو داود والنسائي, وغيرهما ولفظه قال: شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم, ووضعت المرأة وراءه وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة, وأبو هريرة فقلنا لهم فقالوا: السنة وأما الحديث الأول فلا يصح فإن زيد بن عمر هو ابن أم كلثوم بنت علي, الذي صلى عليه معها وكان رجلا له أولاد كذلك قال الزبير بن بكار ولا خلاف في تقديم الرجل على المرأة ولأن زيدا ضرب في حرب كانت بين عدي في خلافة بعض بني أمية فصرع وحمل, ومات والتفت صارختان عليه وعلى أمه ولا يكون إلا رجلا. ولا خلاف في تقديم الخنثى على المرأة لأنه يحتمل أن يكون رجلا, وأدنى أحواله أن يكون مساويا لها ولا في تقديم الحر على العبد لشرفه وتقديمه عليه في الإمامة ولا في تقديم الكبير على الصغير كذلك وقد روى الخلال, بإسناده عن على ـ رضي الله عنه ـ في جنازة رجل وامرأة وحر وعبد وصغير وكبير, يجعل الرجل مما يلي الإمام والمرأة أمام ذلك والكبير مما يلي الإمام, والصغير أمام ذلك والحر مما يلي الإمام والمملوك أمام ذلك فإن اجتمع حر صغير وعبد كبير, قال أحمد في رواية الحسن بن محمد في غلام حر وشيخ عبد: يقدم الحر إلى الإمام هذا اختيار الخلال, وغلط من روى خلاف ذلك واحتج بقول على: الحر مما يلي الإمام والمملوك وراء ذلك ونقل أبو الحارث: يقدم أكبرهما إلى الإمام, وهو أصح - إن شاء الله تعالى- لأنه يقدم في الصف في الصلاة وقول على أراد به إذا تساويا في الكبر والصغر بدليل أنه قال: والكبير مما يلي الإمام والصغير أمام ذلك. فإن كانوا نوعا واحدا, قدم إلى الإمام أفضلهم لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (كان يوم أحد يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد ويقدم أكثرهم أخذا للقرآن) ولأن الأفضل يقدم في صف المكتوبة فيقدم ها هنا, كالرجال مع المرأة وقد دل على الأصل قوله عليه السلام: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) وإن تساووا في الفضل قدم الأكبر فالأكبر فإن تساووا قدم السابق وقال القاضي: يقدم السابق وإن كان صبيا ولا تقدم المرأة وإن كانت سابقة لموضع الذكورية, فإن تساووا قدم الإمام من شاء منهم فإن تشاح الأولياء في ذلك أقرع بينهم. ولا خلاف بين أهل العلم في جواز الصلاة على الجنائز دفعة واحدة, وإن أفرد كل جنازة بصلاة جاز وقد روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أنه صلى على حمزة مع غيره) وقال حنبل: صليت مع أبي عبد الله على جنازة امرأة منفوسة فصلى أبو إسحاق على الأم, واستأمر أبا عبد الله وقال: صل على ابنتها المولودة أيضا؟ قال أبو عبد الله: لو أنهما وضعا جميعا كانت صلاتهما واحدة تصير إذا كانت أنثى عن يمين المرأة, وإذا كان ذكرا عن يسارها وقال بعض أصحابنا: إفراد كل جنازة بصلاة أفضل ما لم يريدوا المبادرة وظاهر كلام أحمد في هذه الرواية التي ذكرناها أنه أفضل في الإفراد, وهو ظاهر حال السلف فإنه لم ينقل عنهم ذلك. قال: [وإن دفنوا في قبر يكون الرجل ما يلي القبلة والمرأة خلفه والصبي خلفهما, ويجعل بين كل اثنين حاجزا من تراب] وجملته أنه إذا دفن الجماعة في القبر قدم الأفضل منهم إلى القبلة ثم الذي يليه في الفضيلة, على حسب تقديمهم إلى الإمام في الصلاة سواء على ما ذكرنا في المسألة قبل هذه لما روى هشام بن عامر قال: (شكا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجراحات يوم أحد, فقال: احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد, وقدموا أكثرهم قرآنا) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح فإذا ثبت هذا فإنه يجعل بين كل اثنين حاجزا من التراب, فيجعل كل واحد منهم في مثل القبر المنفرد لأن الكفن حائل غير حصين قال أحمد: ولو جعل لهم شبه النهر وجعل رأس أحدهم عند رجل الآخر وجعل بينهما شيء من التراب, لم يكن به بأس أو كما قال. ولا يدفن اثنان في قبر واحد إلا لضرورة وسئل أحمد عن الاثنين والثلاثة يدفنون في قبر واحد قال: أما في مصر فلا وأما في بلاد الروم فتكثر القتلى, فيحفر شبه النهر رأس هذا عند رجل هذا ويجعل بينهما حاجزا, لا يلتزق واحد بالآخر وهذا قول الشافعي وذلك لأنه لا يتعذر في الغالب إفراد كل واحد بقبر في المصر ويتعذر ذلك غالبا في دار الحرب وفي موضع المعترك وإن وجدت الضرورة جاز دفن الاثنين والثلاثة وأكثر في القبر الواحد, حيثما كان من مصر أو غيره فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره وإن استووا في ذلك بدأ بأقربهم إليه على ترتيب النفقات, فإن استووا في القرب قدم أنسبهم وأفضلهم. قال: [وإن ماتت نصرانية وهي حاملة من مسلم دفنت بين مقبرة المسلمين ومقبرة النصارى] اختار هذا أحمد لأنها كافرة, لا تدفن في مقبرة المسلمين فيتأذوا بعذابها ولا في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم, وتدفن منفردة مع أنه روي عن واثلة بن الأسقع مثل هذا القول وروي عن عمر أنها تدفن في مقابر المسلمين قال ابن المنذر: لا يثبت ذلك قال أصحابنا: ويجعل ظهرها إلى القبلة على جانبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن, لأن وجه الجنين إلى ظهرها. قال: [ويخلع النعال إذا دخل المقابر] هذا مستحب لما روى بشير ابن الخصاصية قال: (بينا أنا أماشي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان, فقال: يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خلعهما, فرمى بهما) رواه أبو داود وقال أحمد: إسناد حديث بشير ابن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسا قال جرير بن حازم: رأيت الحسن, وابن سيرين يمشيان بين القبور في نعالهما ومنهم من احتج بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه, إنه يسمع قرع نعالهم) رواه البخاري وقال أبو الخطاب: يشبه أن يكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما كره للرجل المشي في نعليه لما فيهما من الخيلاء فإن نعال السبت من لباس أهل النعيم قال عنترة: يحذى نعال السبت ليس بتوأم ** ولنا أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخبر الذي تقدم, وأقل أحواله الندب ولأن خلع النعلين أقرب إلى الخشوع وزى أهل التواضع, واحترام أموات المسلمين وإخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن الميت يسمع قرع نعالهم لا ينفي الكراهة فإنه يدل على وقوع هذا منهم, ولا نزاع في وقوعه وفعلهم إياه مع كراهيته فأما إن كان للماشي عذر يمنعه من خلع نعليه مثل الشوك يخافه على قدميه, أو نجاسة تمسهما لم يكره المشي في النعلين قال أحمد في الرجل يدخل المقابر وفيها شوك يخلع نعليه: هذا يضيق على الناس حتى يمشي الرجل في الشوك, وإن فعله فحسن هو أحوط وإن لم يفعله رجل يعني لا بأس وذلك لأن العذر يمنع الوجوب في بعض الأحوال, والاستحباب أولى ولا يدخل في الاستحباب نزع الخفاف لأن نزعها يشق وقد روي عن أحمد أنه كان إذا أراد أن يخرج إلى الجنازة لبس خفيه مع أمره بخلع النعال وذكر القاضي أن الكراهة لا تتعدى النعال إلى الشمشكات ولا غيرها لأن النهي غير معلل, فلا يتعدى محله. ويكره المشي على القبور وقال الخطابي: ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (نهى أن توطأ القبور) وروى ابن ماجه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لأن أمشي على جمرة أو سيف, أو أخصف نعلي برجلي أحب إلى من أن أمشي على قبر مسلم وما أبالي أوسط القبور - كذا قال - قضيت حاجتي, أو وسط السوق) ولأنه كره المشي بينها بالنعلين فالمشي عليها أولى. ويكره الجلوس عليها والاتكاء عليها لما روى أبو يزيد, قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله: (لأن يجلس أحدكم على جمرة تحرق ثيابه فتخلص إلى جلده, خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم: قال الخطابي: وروى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (رأى رجلا قد اتكأ على قبر فقال: لا تؤذ صاحب القبر). قال: [ولا بأس أن يزور الرجل المقابر] لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة زيارة الرجال القبور وقال على بن سعيد: سألت أحمد عن زيارة القبور تركها أفضل عندك أو زيارتها؟ قال: زيارتها وقد صح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور, فزوروها فإنها تذكركم الموت) رواه مسلم والترمذي بلفظ: " فإنها تذكر الآخرة ". وإذا مر بالقبور أو زارها استحب أن يقول ما روى مسلم, عن بريدة قال: (كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية) وفي حديث عائشة: (ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين) وفي حديث آخر: (اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم) وإن أراد قال: اللهم اغفر لنا ولهم كان حسنا. قال: ولا بأس بالقراءة عند القبر, وقد روى عن أحمد أنه قال: إذا دخلتم المقابر اقرءوا آية الكرسي وثلاث مرات قل هو الله أحد ثم قل: اللهم إن فضله لأهل المقابر وروى عنه أنه قال: القراءة عند القبر بدعة وروى ذلك عن هشيم, قال أبو بكر: نقل ذلك عن أحمد جماعة ثم رجع رجوعا أبان به عن نفسه فروى جماعة أن أحمد نهى ضريرا أن يقرأ عند القبر, وقال له: إن القراءة عند القبر بدعة فقال له محمد بن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله: ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة قال: فأخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دفن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها, وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك قال أحمد بن حنبل: فارجع فقل للرجل يقرأ وقال الخلال: حدثني أبو على الحسن بن الهيثم البزار شيخنا الثقة المأمون قال: رأيت أحمد بن حنبل يصلي خلف ضرير يقرأ على القبور وقد روى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ, وكان له بعدد من فيها حسنات) وروى عنه عليه السلام (من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما يس غفر له). وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم, نفعه ذلك إن شاء الله أما الدعاء, والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات, فلا أعلم فيه خلافا إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة وقد قال الله تعالى: قال: [وتكره للنساء] اختلفت الرواية عن أحمد في زيارة النساء القبور, فروي عنه كراهتها لما روت أم عطية قالت: (نهينا عن زيارة القبور ولم يعزم علينا) رواه مسلم ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (لعن الله زوارات القبور) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وهذا خاص في النساء والنهي المنسوخ كان عاما للرجال والنساء ويحتمل أنه كان خاصا للرجال ويحتمل أيضا كون الخبر في لعن زوارات القبور, بعد أمر الرجال بزيارتها فقد دار بين الحظر والإباحة فأقل أحواله الكراهة ولأن المرأة قليلة الصبر, كثيرة الجزع وفي زيارتها للقبر تهييج لحزنها وتجديد لذكر مصابها, فلا يؤمن أن يفضي بها ذلك إلى فعل ما لا يجوز بخلاف الرجل ولهذا اختصصن بالنوح والتعديد, وخصصن بالنهي عن الحلق والصلق ونحوهما والرواية الثانية لا يكره لعموم قوله عليه السلام: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) وهذا يدل على سبق النهي ونسخه, فيدخل في عمومه الرجال والنساء وروى عن ابن أبي مليكة أنه قال لعائشة: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن فقلت لها: قد (نهي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن زيارة القبور؟ قالت: نعم, قد نهى ثم أمر بزيارتها) وروى الترمذي أن عائشة زارت قبر أخيها وروي عنها أنها قالت: لو شهدته ما زرته. ويكره النعي, وهو أن يبعث مناديا ينادي في الناس: إن فلانا قد مات ليشهدوا جنازته لما روى حذيفة قال: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (ينهى عن النعي) قال الترمذي: هذا حديث حسن واستحب جماعة من أهل العلم أن لا يعلم الناس بجنائزهم منهم عبد الله بن مسعود وأصحابه علقمة, والربيع بن خيثم وعمرو بن شرحبيل قال علقمة: لا تؤذنوا بي أحدا وقال عمرو بن شرحبيل: إذا أنا مت فلا أنعى إلى أحد وقال كثير من أهل العلم: لا بأس أن يعلم بالرجل إخوانه ومعارفه وذوو الفضل من غير نداء قال إبراهيم النخعي: لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه, وإنما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس: أنعى فلانا كفعل الجاهلية وممن رخص في هذا أبو هريرة وابن عمر وابن سيرين وروي عن ابن عمر أنه نعى إليه رافع بن خديج, قال: كيف تريدون أن تصنعوا به؟ قال: نحبسه حتى نرسل إلى قباء وإلى من قد بات حول المدينة ليشهدوا جنازته قال: نعم ما رأيتم وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (في الذي دفن ليلا: ألا آذنتموني) وقد صح عن أبى هريرة (أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه, وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات) متفق عليه وفي لفظ: (إن أخاكم النجاشي قد مات, فقوموا فصلوا عليه) وروي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أنه قال: لا يموت فيكم أحد إلا آذنتموني به) أو كما قال ولأن في كثرة المصلين عليه أجرا لهم ونفعا للميت فإنه يحصل لكل مصل منهم قيراط من الأجر وجاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (ما من مسلم يموت, فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب) وقد ذكرنا هذا وروى الإمام أحمد بإسناده عن أبي المليح أنه صلى على جنازة, فالتفت فقال: استووا ولتحسن شفاعتكم ألا وإنه حدثني عبد الله بن سليط عن إحدى أمهات المؤمنين, وهي ميمونة وكان أخاها من الرضاعة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ما من مسلم يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه) فسألت أبا المليح عن الأمة؟ فقال: أربعون.
|